الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة الكوريغراف رشدى بلقاسمي: الرقص يحرج بعض الأنظمة لكنه سيصمد لأن عقلية التونسي متفتحة

نشر في  19 أفريل 2014  (10:14)

إنّ الرقص او تحريك الجسد إراديا وفق ايقاع منتظم يعتبر اولى خطوات الانسان البدائي نحو التعبير الفنى بل انه الباعث الحقيقي لجميع الفنون المستحدثة بعد ذلك. الرقص هو لغة الانسان الاولى عبّر بها عن وجدانه وما يختلجه من مشاعر وانفعالات فعبر به عن متغيّرات حياته الداخلية: الفرح، الحزن، اللذة، الآمال والطموح كما عبرت عن حياته الخارجية: المناجاة، الاحتجاج، الشكر ولذلك فإنّ الطفل يرقص قبل ان ينطق.

ورغم هذه الأهمية، بقي الرقص على هامش الفنون الى سنوات متأخرة ليصل الاعتراف به مؤخرا كمهنة وكفنّ قائما بذاته فى الغرب. وبقي فى ثقافتنا العربية فناّ هجينا لايعترف به ومع وصول الحركات الاصولية الى الحكم بعد الثورات الشعبية او ما يسمى بالربيع العربي، ظهرت بعض الاصوات التى تنادى بتحريم الرقص بانواعه واعتباره تعبيرة بذيئة ولا اخلاقية ولهذا اقدم صالون الديكامرون ومؤسسه الروائي كمال الرياحى بالاحتفاء بالرقص والراقصين بتنظيم عرض "الزوفرى" بدار الثقافة ابن خلدون فى غرفة الزوفرى للراقص التونسي العالمي "رشدى بلقاسمي" وسط حضور جماهيرى محترم من شباب وجامعيين وسينيمائيين ونقاد وكذلك عدد من الروائيين.

ولقد تفاعل الجمهور تفاعلا كبيرا مع العرض الذى دام عشرين دقيقة، ونظم الصالون بعد ذلك حلقة نقاش لمناقشة بعض المواضيع المتعلقة بالعرض وبالرقص وحضوره فى المشهد الثقافى التونسي وقد افتتحت هذه الجلسة بعرض وثائقي حول عرض " الزوفرى" وبعض محطاته المحلية والعالمية وتفاعل الجمهور معه.

وقد قدّم هذه الجلسة مدير الصالون الباحث فى الفلسفة عدنان الجدي بمشاركة كمال الرياحى، وابتدأ عدنان بالتعريف برشدى بلقاسمي الذى لم تقتصر مسيرته الفتية على الرقص رغم صغر سنّه فهو بالاضافة الى ذلك ممثّلا وعرائسي متخرج من المعهد العالى للفن المسرحى بتونس، شارك فى العديد من الاعمال المحترفة ككوريغراف ومساعد مخرج فى "فركة صابون" سنة 2012 وفى عمل "طواسين " كراقص وايضا كراقص فى عمل تونسي فرنسي "جسدى وطنى " بالاضافة الى العديد من الاعمال الاخرى.

كما شارك فى العديد من المهرجات المحلية والعالمية منها المهرجان الدولى لمسرح الطفل بنابل، المهرجان الدولى ب"افينيون" وغيرها وهو راقص يمارس مهنة الرقص متكون من مدرسة الرقص الكلاسيكى "ايقــــــــــــاع" ومدرسة الرقص الكلاسيكى الروسية ....

وقد اعتبر عدنان الجدي ان هناك عوامل لنجاح هذا الراقص وانتشاره العالمى فبالاضافة الى تكوينه وخبرته فهو من الفنانين الناشطين حيث يقوم كل عام بتقديم عرض وكذلك اكاديمى يدرس المسرح ويشارك فى المهرجانات العالمية. ثم قدّم رشدى لمحة عن العرض وسبب التسمية " الزوفرى " هذه الكلمة التى طرأت عليها تحولات عبر الزمن، فمن العامل (ouvrier) الى الزوفرى بمعنى العامل الهامشي واللا اخلاقى. وكانت فكرة العرض استلهام عالم هذا العامل الكادح، وتوزع العرض على ثلاثة لوحات بداية من الحميمية والاغراء الى الانغراس فى بيئة المدينة العربي حيث العامل اليومى فى مختلف مهنه.

وعبّر رشدى برقصاته عن الحياة اليومية لهذا العامل وكان الراقص يأخذ الكلمة بين كل لوحة ولوحة ليفسر الرقصة ويقول رشدى ان الجمع بين الرقص والكلام هو اختيار مقصود مؤقتا يمكن ان يستغني عنه مع تطور العرض وعن استفسار بعضهم عن جمعه فى الرقص بين الرخاوة والشدة اي الجمع بين الرقص الرجولى للعامل الكادح الذى يرقص وبين الرقص الانثوى الرخو الذى يعتمد على التمايل ورخاوة الجسد يجيب رشدى انه كان متقصدا لذلك مبينا تاريخ بعض الرقصات فى تونس حيث ان رقصة "الربوخ" مثلا كانت مقتصرة على الرجال ثم بتطور الزمن تم اقحام المرأة فظهرت رقصة الفزانى.

وبيّن ان الرقص التونسي يحتوى على 250 خطوة وذكر انه حاول ان جمع بين الرقصة الشعبية التونسية التى تعبر عن ذاكرة جماعية وبين الرقص المعاصر واكدّ ان لكل جهة من جهات تونس خصوصياتها فى الرقص فالرقص البدوى يختلف بالضرورة عن الرقص المدنى (فى المدينة). واكدّ ان من اسباب حرصه على هذا العمل هو ان ذاكرة الجسد الراقص بدأت تضمحل دون ان تترك من يحمل المشعل عليها.

اما عن تساؤل كيف يقاوم الرقص الانظمة الاستبدادية ؟ ذكر ان الرقص كما الغناء هو تعبيرة يمكن ان تمثل حرجا للنظام وايديولوجيته خاصة ما يمثله الجسد الراقص العارى من اغراء. ويضيف رشدى ان الجسد العارى الثابت لا يمثل خطرا بل عندما يتحرك يحرك كل المشاعر ويمكن ان يكون خطرا على كل السلط.

وينتهى اللقاء حول مكانة الرقص فى الثقافة التونسية ويجيب رشدى كممارس لهذه المهنة ان وضعية الرقص المحترف فى تونس بدأت تتحسن اولا لان عقلية التونسي منفتحة نوعا ما وثانيا من ناحية القرار السياسي بدأ التفكير الجدي فى تنظيم هذه المهنة واعطائها كل الحقوق كما المسرح والادب.

إبتسام القشوري

تصوير أحمد ثابت